جماعات الضغط الأوروبية والأمريكية تدخل صناعة الصلب العربية “أفران الإغراق”

![]() |
كتب _ صلاح السعدني |
مع بداية الخمسينات وبالتحديد عام 1951 كونت 6 دول أوروبية هى فرنسا ،هولندا ،ألمانيا الغربية ،بلجيكا،لكسمبورج ،إيطاليا “الجماعه الاوروبية للفحم والصلب ” وكان صاحب الفكرة هو رئيس الوزراء ووزير خارجية فرنسا فى ذلك الوقت روبير سومان ،وكان الهدف من إنشاء الجماعة هو تنظيم الإنتاج الصناعى ،وكان إنشاء هذه الجماعه بمثابة البداية لإنشاء جماعات أوروبية أخرى مثل ،الجماعه الأوروبية الإقتصادية ،والجماعه الاوروبية للطاقة الذرية.
ورغم أن الهدف من إنشاء جماعات فى تلك الفترة كان بهدف خدمة الدول والحكومات إلا أنه بمرور الوقت ظهرت فكرة جماعات أخرى تعمل لمصالح خاصة سواء لدول او لشركات أو لرجال أعمال من اصحاب الثروات الضخمه ممن يمتلكون شركات متعددة الجنسيات حول العالم وهذه الجماعات هى جماعات الضغط أو التى تسمى “اللوبينج ” و أهم دور لهذه الجماعات على الإطلاق هو التأثير على متخذ القرار فى الحكومات وظهر هذا بوضوح فى صناعة الصلب العريبة مؤخراً عندما إستجابت بعض الحكومات الاوروبية والامريكية والكندية لجماعات ضغط يمثلها جمعيات حكومية وغير حكومية وأتخذت إجراءات عقابية ضد عددا من الدول العربية المنتجة للصلب بزعم قيامها بإغراق أسواقها بمنتجات صلب وبيعها بأسعار مغرقة تقل عن اسعار بيعها ببلد المنشأ،بجانب تلقى الشركات العربية المصدرة دعم حكومى مما تسبب فى إلحاق خسائر ضخمه بصناعتهم على حد تبريرهم !

أبرز جماعات الضغط والمصالح
تعد جمعية منتجى الصلب الأوروبية ” التى أنشأت عام 1976 ومقرها بروكسل EOURFER من أبرز جماعات الضغط الأوروبية فى قطاع الصلب ولها تاثير قوى على متخذ القرر الحكومى . تعمل الجمعية تحت شعار إقتصادى براق وهو ،تعزيز التنافسية والإستدامة فى صناعة الصلب ،أما الهدف الحقيقى من إنشاء الجمعية هو التاثير على التشريعات والسياسات ذات الصله ،فقد هرولت الجمعية وقدمت شكاوى إلى المفوضية الاوروبية ضد مصر ومعها ،اليابان ،والهند ،وفيتنام ووجهت لهم الإتهامات بإغراق الأسواق الأوروبية بمنتجاتها من الصلب المسطح المدرفل على الساخن ، مع أن هناك دول كثيرة غير مصر تنتج كميات هائلة وتقوم بالتصدير لأسواق الإتحاد الاوروبى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ولكنها لم تجرؤ على التقدم بشكاوى ضدهم . إستجابت المفوضية الأوروبية لجمعية منتجى الصلب وفتحت باب التحقيق فى قضية إغراق الصلب المسطح المتهم فيها مصر،وبالطبع لا ينتج فى مصر الصلب السطح المدرفل على الساخن سوى مجموعة حديد عز وفى نهاية الامر تم فرض رسوم إغراق على مصر نسبتها 12.8 % بعد تخفيضها من 15.6 %لمدة 6 أشهر تنتهى فى سبتمبر القادم لحين إتخاذ قرار نهائى فى القضية ،ولم تلتفت المفوضية إلى عدة حقائق هامه جدا فيما يتعلق بأسعار التصدير لمنتجات الصلب المسطح المصرية المدرفلة على الساخن منها:
أولاً:
أن علمية تسعير منتجات الصلب فى مصر تتم وفقاً لسعر العمله والتكلفه وهناك اسعار إسترشادية تتم وفقا لقرار وزير التجارة والصناعه رقم 419 والصارد بتاريخ 22/5/2008 وهناك اسعار للموزع، وأسعار لتجار الجمله ، وأسعار لتجار التجزئه للمستهلك مما يعنى أن عملية تسعير المنتجات فى المجموعة لا تخضع للأهواء ، بل تراقبها الدوله المصرية وتضع الضوابط الحاكمه لها .
ثانيا :
أن عملية تسعير المسطحات ومنتجات الصلب الأخرى تخضع لأسعار الخامات بالبورصات العالمية والتى تتغير بسرعه مدهشه سواء الخردة ، او البليت ، او الأيرن اور ” خام الحديد ” ، بالإضافه إلى ذلك عوامل التكلفه المتغيرة أيضا فى السوق المحلى بسرعة الصاروخ.
ثالثا :
لو حللنا اسعار بيع عز للمسطحات بالسوق المحلى سنجدها لا تقل كثيرا عن اسعار البيع بالسوق الاوروبى لسبب بسيط جدا وهو تقييم سعر العمله ، فلو تم تقييم سعر المسطحات التى يتم تصديرها للسوق الاوروبى بقيمة عملتنا المحلية سنجد بحسبة حسابية بسيطه أن سعر مسطحات عز بالسوق المحلى أعلى من سعر تصديرها للسوق الاوروبى ، الأمر الآخر أن عملية التصدير نفسها تتم وفقا للإتفاقية الموقعه بين الإتحاد الاوروبى وبلدان الدول النامية ، وتتيح لصادرات هذه البلدان ومنها مصر دخول الأسواق الأوروبية معفاه من الجمارك وهو ما يخيل للبعض أن اسعار التصدير فى هذه الحاله تعد اسعار مغرقه!
رابعاً :
إن سوق العمله داخل مصر شهد تقلبات سريعه ومتلاحقة وإتخذت الحكومه إجراءات مصرفية مشددة خلال الثلاث سنوات الأخيره للسيطرة على السوق الموازية للعملات الأجنبية وفى مقدمتها اليورو والدولار ،وبذلت المصانع فى كل القطاعات جهودا كبيرة لتدبير العمله بهدف إستيراد المواد الخام لتشغيل مصانعها وكانت تتكبد فى سبيل ذلك مصاريف باهظةغير منظورة لا يتم إحتسابها فى عوامل التكلفة رغم تأثيرها السلبى المباشر على نتائج أعمال الشركات بما فيها الشركات المدرجة فى البورصة مثل مجموعة حديد عز المدرجة فى البورصة المصرية ،وبورصة لندن .
وأخطأت لجنة الإغراق بالاتحاد الاوربى ” سلطة التحقيق ” خطأ كبير فى قضية إغراق المسطحات عندما حسبت حساباتها على اساس سعر اليورو وفقا للأسعار المعلنه بالبنك المركزى خلال الفترة محل شكوى الإغراق المقدمه من جمعية منتجى الصلب الاوروبية لأن الحكومه المصرية حررت سعر عملتها ثلاث مرات بدءً من مارس 2022 وحتى يناير الماضى مما أدى إلى تراجع شديد فى قيمة الجنيه المصرى أمام سله من عملات النقد الاجنبى فى مقدمتها اليورو والدولار ويكفى أن نقول ان قيمة الجنيه إنخفضت خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2023 لأكثر من 25% ، ناهيك عن الحرب الروسية الاوكرانية وتأثيراتها السلبية الرهيبة على سعر العمله ونولون الشحن ، والتضخم ، ناهيك عن رفع أسعار الفائدة بعد تحريكها بالزيادة أغلب الوقت من جانب الفيدرالى الامريكى خاصة خلال الثلاث سنوات الأخيره ، وهو ما نتج عنه زيادة معدلات التضخم وتفاقم الأسعار بصوره جنونية ، وهذا الانفلات فى التضخم واكبه زيادات حاده فى تكلفة القروض على المصانع خاصة المصانع الضخمه
وكالة خدمات الحدود الكندية
جماعات المصالح فى كندا ايضا لم تسلم منها الشركات المصرية ،فرغم أن كندا ليست من أكبر 10 دول فى إنتاج الصلب وتحتل المركز رقم 16 إلا أنها قامت فى 6 أكتوبر الماضى بفرض رسوم إغراق على شركة السويس للصلب المصرية بواقع 8.6 % بعد توجيه إتهام لها بإغراق السوق الكندى بلفائف الأسلاك ،وكان القرار قد تم فرضه من جانب وكالة الخدمات الحكومية الكندية التى يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 2003 بهدف تأمين الحدود الكندية بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر فى نيويورك ،ولك أن تتسائل الآن سؤالاً منطقيا وبديهيا وهو ،هل كميات بسيطه قامت بتصديرها شركة السويس للصب المصرية إلى السوق الكندى تتسبب فى إغراق اسواق أوتاوا وتلحق أضرار وخسائر جسيمه بصناعة الصلب الكنديه ؟ أم أنه الإستقواء ومصالح جماعات الضغط الاوروبية والأمريكية ؟!
التحالف الأمريكى من أجل عدالة تجارة حديد التسليح التسليح
من أهم أشكال جماعات الضغط “اللوبينج” التى تلعب دوراً مؤثرا على سوق الصلب العالمى مايسمى بالتحالف الامريكى من أجل عدالة تجارة حديد التسليح ،وهى منظمه تهدف إلى مكافحة الممارسات التجارية الضارة غير العادلة فى صناعة الحديد .. قام هذا التحالف بإرسال شكاوى إلى لجنة التجارة الدولية الأمريكية يتهمون فيها دول مصر وبلغاريا وفيتنام بإغراق الاسواق الامريكية بحديد التسليح وبيعه بأسعار مغرقه تقل عن اسعاره ببلد المنشأ وإختارت اللجنه الفترة من إبريل 2004 إلى مارس 2025 لتكون محل التحقيقات ،وأستجابت لجنة التجارة الدولية لشكاوى التحالف الامريكى وفتحت تحقيقات موسعه ضد الدول التى تم إتهامها بالإغراق وتلقى دعم حكومى- يراه الأمريكان أنه غير قانونى – ،وما يهمنا هنا هو بلادنا العربية “مصر والجزائر ” واللتان لم تتعد صادراتهما معا خلال الفترة المذكوره للسوق الأمريكى 350 الف طن ،وستتعرض مصر والجزائر لرسوم إغراق قد تكون قاسية فى إطار ما يسمى بنظرية الإستقواء ومصالح جماعات الضغط وإن كانت المبررات الظاهرة هى حماية الإقتصاد الأمريكى من الممارسات غير العادلة فى التجارة الدولية ..
خلاصة الأمر أن مستقبل صناعة الصلب أصبح مرهون بالمصالح وعلى رأسها مصالح جماعات الضغط ومدى قوتك الإقتصادية مهما كانت القوانين والتشريعات الحاكمة ،وإن لم يتحد صناع الصلب العرب وينشأون – مثلا – وحده لمكافحة الإغراق والممارسات التجارية الضاره غير العادلة داخل الإتحاد العربى للصلب مع تقنين وضعها فسيواجهون مصاعب لا حدود لها مع صناع الصلب المنافسون من الأوروبين والأمريكان الذين لا يكفون عن وضع التشريعات والقوانين وتكوين الكيانات الخاصة والحكومية لحماية صناعاتهم ،والدليل على ذلك أن المفوضية الأوروبية أنشأت مؤخراً إدارة جديدة لمراقبة الواردات بهدف منع تحويل مسار التجارة الضارة إلى السوق الأوروبى عند إعادة توجيه كميات كبيرة من السلع التى لا يمكنها دخول أسواق أخرى بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة، وتولت رئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون دير بنفسها تنفيذ هذه المبادره للحد من الواردات المحولة لأسواق دول الإتحاد الاوروبى !