تصفية “الحديد والصلب” .. ضربة قاسية للصناعة ومصير مجهول ينتظر الشركة

تحليل - حمدي المصري

ضربة قاسية للقطاع العام والصناعة المصرية، وجهتها الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية باتخاذها قرار تصفية الشركة بعد ما يقرب من 70 عاما على إنشاءها في خمسينيات القرن الماضي.

وقد قررت الجمعية الموافقة على تقسيم الشركة إلى شركتين الأولى شركة الحديد والصلب التى تم تصفيتها وشركة المناجم والمحاجر المنقسمة منها، ومن المنتظر أن يدخل القطاع الخاص شريكا فيها لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة.

1954 هو تاريخ إنشاء هذه الشركة التي تعد أعرق وأقدم شركة لإنتاج الحديد والصلب فى مصر والشرق الأوسط، وساهمت بقوة فى دعم الاقتصاد، فكانت الداعم الأكبر للصناعة الوطنية منذ ستينات القرن الماضى.

أهمية هذه الشركة العملاقة كبيرة بالنسبة للاقتصاد المصرى، بما تساهم به من منتجات مختلفة للحديد والصلب جعلتها تتفرد بها عن مختلف الشركات الأخرى، فجميع الشركات الموجودة على الساحة هى شركات صلب فقط تعتمد على الخردة، ولكنها هى الوحيدة التى تمتلك خام الحديد.

ورغم أهميتها الكبيرة إلا أن يد الإهمال وسوء الإدارة طالتها خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تحقيقها خسائر فادحة وصلت إلى 4.5 مليار جنيه خلال آخر 5 سنوات، وسجلت خلال العام المالى 2018/2019 فقط 1.24 مليار جنيه خسائر، وفقا لبيانات الشركة القابضة للصناعات المعدنية.

وخلال الأربع سنوات الماضية ضخت الدولة استثمارات بالشركة بقيمة 244 مليون جنيه، تم استخدامها فى تحديث بعض القطاعات وإجراء الصيانات اللازمة لها خلال الفترة من 2015 حتى 2019.

 

3 أسباب وراء الخسائر

أسباب الخسائر أرجعتها الشركة إلى استمرار تأثير تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية فى نوفمبر 2016، وتضاعف أسعار المستلزمات وأهمها فحم الكوك، إضافة إلى زيادة أسعار الطاقة من غاز وكهرباء.

وعانت الشركة خلال العامين الأخيرين من نقص كميات فحم الكوك وارتفاع التكلفة نتيجة تقادم الآلات، ما أفقدها العديد من الأسواق الخارجية فى ظل ارتفاع المنافسة العالمية، وأجبرها على بيع بعض المنتجات بأقل من سعر تكلفتها.

هذا الأمر أدى إلى تشكيك الجهاز المركزى للمحاسبات فى قدرة الشركة على الاستمرار الأمر الذى دفع المساهمين فيها إلى رفض اعتماد القوائم المالية للعام المالى 2018-2019 لحين تصحيحها وفقا لملاحظات الجهاز.

وأرجع المركزى للمحاسبات فى تقرير صدر أكتوبر الماضى، شكوكه فى استمرارية الشركة إلى عدة أسباب أبرزها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمطالبات المالية متمثلة فى تراكم المديونيات للموردين الرئيسين للشركة بنحو 5.372 مليار جنيه العام الماضي مقابل 4.5 مليار جنيه العام قبل الماضى.

كما لاحظ الجهاز توقف العديد من خطوط الإنتاج بصورة متكررة نتيجة تقادم الآلات والمعدات وهو ما انعكس على زيادة نسبة الأعطال والتوقفات.

وأوضح تقرير الجهاز أن نسبة الأعطال والتوقفات بلغت نحو 92% خلال العام المالى الحالى مقابل 82% خلال العام السابق، ما يعنى أن نسبة استغلال الزمن المتاح بلغت 8% فقط، كما تناول التقرير أسبابا أخرى لخسائر الشركة منها عدم مطابقة معظم إنتاج الأفران العالية للمواصفات، حيث بلغت نسبته نحو 79% من إنتاج الأفران هذا بخلاف المخلفات.

 

محاولات تطوير منذ 2013

وقد جاء هذا التقرير في ظل محاولات الحكومة لتطوير الشركة عدة مرات بالتعاقد مع خبراء أجانب كان أولها في 2013 عندما تعاقدت مع شركة “tata steel” البريطانية لإعداد الدراسة المطلوبة وتحديد متطلبات الشركة للتطوير لزيادة الإنتاج إلى 3 مليون طن سنويا، ثم في نوفمبر 2017، طرحت الشركة مناقصة للتطوير تتضمن رفع طاقة المصنع الإنتاجية إلى 1.2 مليون طن سنويا، وإنشاء مصنع حديد تسليح جديد لاستغلال الخردة، لكن هذه المناقصة ألغيت في عهد الوزير السابق خالد بدوي، عام 2018.

واتجهت الشركة لدراسة تعظيم استغلال الخام المستخرج من المناجم الأربعة التي تمتلكها من خلال التعاقد مع شركة أوكرانية لتنقية خام الحديد من الشوائب، لكن هذا المقترح أيضًا توقف، وفي يناير 2019، دعت الشركات العالمية لتقديم عروض لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها، مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عامًا، ‎لضمان ألا يقل حجم الإنتاج من البليت عن 1.2 مليون طن سنويًا، وأن تتم الإدارة بالكامل من خلال الشريك المستهدف، وتعظيم استغلال موارد الشركة ومناجمها وعمالتها بشكل مناسب، وأن يلتزم الشريك بسداد حد أدنى من الإيراد المقبول سنويًا، إلا أنه في مايو 2019، أعلنت الشركة رفض العرض الوحيد الذي تلقته من شركة ميت بروم الروسية بإجماع الأراء لأنه غير مناسب لتطوير شركة الحديد والصلب وغير مطابق مع دعوة الشراكة.

وعادت الشركة مرة أخرى لبحث التعاون مع شركة أوكرانية، في آخر تطور لدراسات التطوير، خلال أكتوبر 2019، وفي بداية 2020، ظهر مقترح بفصل نشاط المناجم في شركة مستقلة على أن يتم النظر في موقف مصنع حلوان بشكل منفصل، ووقعت الشركة في يوليو 2020 اتفاقا مع شركة فاش ماش الأوكرانية، لدراسة إمكانية رفع تركيز خام الحديد بالواحات وإنشاء مصنعين للمكورات بتكلفة تقارب 35 مليون دولار وبطاقة إنتاجية 1.3 مليون طن سنويا من الخام مرتفع التركيز نسبيا.

وبعد جدل كبير بين إدارة الشركة ووزير قطاع الأعمال هشام توفيق ورفض مقترح تقسيم الشركة أعلن مجلس الإدارة استقالته وعين الوزير مجلسا جديدا، ثم وافقت الجمعية العامة غير العادية، في أكتوبر الماضي، على فصل نشاط المناجم في شركة مستقلة.

وبعد إقرار التقسيم، جاء القرار النهائي للجمعية العامة غير العادية للشركة في 11 يناير 2021، بتصفية نشاط مصنع الشركة في حلوان، مرجعة سبب التصفية إلى ارتفاع خسائر ‏الشركة، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددا.

أما هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، فقال إنه عندما تولى الوزارة في بداية عام 2019 وجد مناقصة للتحديث خاصة بالشركة وتم وضع الشروط الخاصة بها سنة 2017، وأوقفها وزير الأعمال السابق، ولفت إلى أنه طلب تحديث الدراسة الخاصة بهذه المناقصة.

وأضاف توفيق، أنه بعد ذلك قمنا بجلب الاستشاري العالمي الذي قام بعمل هذه الدراسة سنة 2015، وطلبنا منه تحديثها وقال لنا إن الأضرار التي نتجت عن التشغيل بسبب عدم وجود إدارة ذات كفاءة أدى إلى الخلل المتواجد في أفران شركة الحديد والصلب، موضحا أن الاستشاري عندما طلبنا منه التحديث طلب منا أن نقوم بتشغيل الأفران لمدة 3 شهور متصلة، مؤكدا أن الإدارة الخاصة بالشركة عجزت عن تشغيل الأفران لمدة 15 يوم متصلة وجاء القرار بعدم تكملة هذا المشروع.

 

مصير مجهول

وعقب قرار التصفية الأخير يتساءل الكثيرون عن مصير الشركة والأراضي الشاسعة التي تمتلكها، وهل سيتم بيعها لمستثمرين ورجال أعمال أم سيتم تنفيذ مشروع سكني على أراضيها؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.