الدولار ونقص الخامات وتغير التكلفة.. مثلث الرعب الذى يهدد مصانع الصلب بإطفاء أفرانها 

تقرير يكتبه- صلاح السعدنى

تتسبب ثلاث عوامل رئيسية في الارتفاع المتواصل فى أسعار كل منتجات الصلب التى تنتجها المصانع المصريه بدءًا  من منتجات الخوص والزوايا، الكمر، الشبك الحديدى، وأعمدة الإناره مروراً بمنتجات المسطحات والأطوال والصاج والقضبان وإنتهاءًا  بالمنتج الأكثر أهمية لقطاعات كثيره للغايه وأهمها قطاع المقاولات والبناء والتشييد.

أصبحت أسعار منتجات الصلب كلها مرتفعه بنسبه وصلت لأكثر من 300% خلال الثلاث أعوام الاخيره، وأصبح تسعير هذه المنتجات يتم بشكل شبه يومى او اسبوعى لتصبح منتجات الصلب واحده من أكثر المنتجات إرتفاعا فى أسعارها وتكاد تتفوق على اسعار المنتجات الغذائيه مع ملاحظة فارق جوهرى بين الزيادات فى اسعار منتجات الصلب ،والمنتجات الغذائيه وهو أن الزيادات فى منتجات الصلب تتم فى الزياده الواحده بآلاف الجنيهات دفعه واحده كما حدث فى الزيادات الأخيره مع نهايات الاسبوع الماضى عندما زاد سعر حديد التسليح 3 آلاف جنيها للطن ، اما الزيادات فى اسعار الغذاء فهى أقل بمستويات كبيره عن اسعار الصلب .

وأصبح ارتفاع أسعار منتجات الصلب خاصة حديد التسليح وهو المنتج الأكثر شهره ومبيعا فى كل منتجات الصلب ظاهره ملفته للنظر ولا نغالى إذا قلنا انها اصبحت ظاهره ،بل واقع مرعب لجمهور المستهلكين ،فلم يكد يمر ثلاثة او أربعة أيام حتى يقوم أصحاب المصانع برفع الأسعار ، وهى الأسعار الفلكيه غير المسبوقه فى تاريخ مصر منذ عهد الفراعنه إلى الآن كما وصفناها فى وقت سابق .

واكدنا أيضا فى وقت سابق أن اسعار حديد التسليح فى مصر أصبحت هى الأعلى على مستوى العالم ، ولكن هناك عدة أسئله تبحث عن إجابات داخل عقول غالبية جمهور المستهلكين والاوساط الإقتصاديه، فى الوقت الذى توجد فيه غرفه للصناعات المعدنيه تضم الكيانات الصناعيه الضخمه فى هذه الصناعه ، ولكن اعضاؤها لايجتمعون الا لتناول المشروبات الساخنه والمثلجه وإستعراض آخر صيحاتهم فى الكرافتات والملابس البراندات والاحذيه الكلاسيك الايطالى.

أما مشاكل الصناعه والصناع فهى آخر ما يتناقشون، وآخر من يتحاورون بشأنها، ولم تكلف الغرفه خاطرها من قريب أو بعيد بعقد إجتماع بحضور الصحفيين المعنيين بشئون الصناعه والتجاره لتعريفهم وتعريف المجتمع بالأسباب الحقيقيه لارتفاع أسعار منتجات الصلب ، ومدى تأثر الأسواق والبورصات العالميه بالحرب الروسيه الاكرانيه وارتفاع اسعار الطاقه، ولم تكلف غرفة الصناعات المعدنيه بدايةً من رئيسها مرورا بأعضائها وإنتهاءًا  بالمدير التنفيذى نفسها بإصدار بيان رسمى شارح ومفسر لأسباب هذه الارتفاعات الجنونيه فى اسعار منتجات الصلب خاصة حديد التسليح وكأن الغرفه قد كتب على مدخلها الرئيسى وابوابها جملة ” مغلقه لتقديم العزاء فى أربعين المرحوم ” !! .

حقيقة الأمر كانت مجموعة عز هى الوحيده التى كانت تقوم بإصدار إحصائيات دقيقه جدا عن الأسعار العالميه وأسعار الخامات ، ووضع السوق المحلى ولكنها منذ فتره طويله لم تعد تصدر هذه البيانات والإحصائيات الشارحه والموضحه وكأن عدوى إهمال إصدار المعلومات قد أصابتها هى الأخرى .

**

مصانع مهدده بإطفاء أفرانها

حاولت الاجتهاد والوقوف على الأسباب الفعليه والحقيقيه وراء الإرتفاع المتواصل فى الأسعار، وهل أصحاب المصانع مذنبون ومخطئون فى هذه الزيادات، ام هم أبرياء براءة الذئب من دم يوسف أبن يعقوب النبى؟.

حقيقة الأمر أن أصحاب المصانع يعانون الأمرين فى ظل أوضاع إقتصاديه معقده ومركبه، وبعض المصانع فعليا مهدده بإطفاء افرانها لسبب بسيط للغايه وهو انها لا تجد خامات لتشغيل هذه الافران ، وهذه الحالات تظهر بوضوح أكبر فى مصانع الدرفله ويصل عددها لأكثر من 14 مصنعا تتفاوت فى الطاقات الإنتاجيه وكبيرهم لا ينتج أكثر من 200 الف طن على أقصى تقدير بعيدا عن الأرقام الخزعبليه التى يتشدقون بها .

الأمر الآخر أن المصانع خاصة المصانع المتكامله وشبه المتكامله لا تجد دولار بشكل كاف لإستيراد خامات لتشغيل مصانعها بكامل طاقتها الإنتاجيه ، ولا يعقل أن يكون لدى مصر مصانع صلب طاقتها التصميميه تصل إلى 15 و16 مليون طن ، ولا تنتج أكثر من 7.5 مليون طن ، وهو الأمر الذى يشير إلى أن غالبية المصانع لا تعمل بأكثر من 50% من طاقاتها الإنتاجيه ، وتصل النسبه فى العديد من مصانع الدرفله إلى 20 ،و30 % وذلك بسبب عدم قدرة هذه المصانع على شراء خامات من الخرده والبليت والأيرن أور مع الإشاره إلى أن مصانع الدرفله كانت تشترى فى اوقات سابقه إحتياجاتها من البليت والخرده من بعض المصانع المتكامله وشبه المتكامله ،ولكن المصانع المتكامله وشبه المتكامله أصبحت فى حاجه ماسه إلى هذه الخامات على طريقة بيدى لا بيدي عمرو ، ولا يحك جلدك إلا ظفر يدك.

**

نقص الخامات أدى إلى تغير التكلفة

من الأمور المؤكده أن بعض المصانع لديها خامات محتجزه بالموانىء ولكنها فى حاجه إلى دولارات للإفراج عنها ، ولكن البنوك التى تتعامل معها غير قادرة على توفير كميات كبيره من الدولارات .. ويترتب على عدم وجود الدولار عدم وجود خامات ،وعند ندرة الخامات يقل الإنتاج والمعروض، وعندما يقل المعروض ترتفع الأسعار مع وجود هلع وخوف من الإحتمالات المستقبليه على المدى القصير لارتفاعات أكبر فى الأسعار .

كل هذه الأوضاع التى أصبحت تشبه بيت العنكبوت قادت المصانع إلى وضع أكثر صعوبه وهو أن المصانع أصبحت غير قادره على صياغة تكلفه ثابته للإنتاج ،وأصبحت التكلفه متغيره بسرعة البرق ، وتغير التكلفه وعدم ثباتها يتسبب وفقا لتاكيدات أبجديات علم الإقتصاد فى إحداث خلل هيكلى بالمصانع وهو الحادث والواقع بكل المصانع المنتجه للصلب دون إستثناء ، مع التأكيد على أن اسعار خامات الصناعه ترتبط إرتباطا وثيقا بالبورصات العالميه لأننا بلد مستورد بالدرجه الأولى ولا يوجد فى الصناعه سوى عدة مصانع تعد على أصابع اليد الواحده هى القادره نوعا ما خلال هذه الفترات العصيبه على تدبير إحتياجاتها من الدولار والمواد الخام ولو بشكل نسبى وهذه المصانع هى العز ، السويس ،بشاى ،المصريين واخيرا المراكبى ،اما بقية المصانع فى ربوع مصر فهى تبحث عن الدولار والخامه على طريقة ” دوخينى ياليمونه ” !.

**

أساتذة الهندسة : صعوبة فى تقييم تكاليف المباني

بقى ان نؤكد أن كاتب هذه السطور سأل العديد من أساتذة الهندسه حول تكاليف المبانى فى ظل ارتفاع أسعار حديد التسليح ،وهل أسعار حديد التسليح حقيقيه ،وارتفاعاتها منطقيه فأكدوا أنهم لم يعودوا قادرين على إجراء تقييم ثابت و عادل لأسعار المبانى والتكاليف المتعلقه بها بسبب ارتفاعات الأسعار المستمر ، وبعضهم أكد أن هذه الأوضاع لن تستمر ومتوقع أن تنخفض اسعار حديد التسليح وكذلك تكاليف المبانى والوحدات السكنيه مع الربع الأخير من العام الحالى .