“صناع اليوم” يدق ناقوس الخطر .. صناعة الصلب تتراجع والمصانع تعمل بنسبة 50% من طاقاتها الإنتاجية

تقرير يكتبه - صلاح السعدنى

تجار ووكلاء يشعلون الأسعار ويقومون بتخزين حديد التسليح فى المخازن ويمتنعون عن البيع

لم تمر صناعة الصلب منذ نشأتها فى حقبة الخمسينات بهذا المنعطف الخطير مثلما تمر به الآن رغم أنها كانت تحقق ارقاما طيبه فى النمو بداية من عام 2013 إلى أعوام 2016 ،و2017 ،و 2018 وسجلت المبيعات المحليه فى هذه الفترات ارقاما كبيره تخطت العشرة مليون طن ، و11.7 مليون وكانت حصة مصر فى منطقة شمال افريقيا تصل إلى نحو 51 % وتحديدا عام 2016 .

والمدهش ان الصناعه كانت تحقق هذه الأرقام فى ظل وجود حالات من الإغراق ومنافسه غير عادله وغير مبرره من حديد التسليح ،والبليت والخرده المستورده ويكفى أن نقول ان واردات البليت فى السوق المصرى كانت تسجل أكثر من المليون ونصف مليون طن.

المراكبي للصلب

**

أسباب الإنكماش والتراجع

تراجعت صناعة الصلب فى مصر لعدة أسباب جوهريه نلخصها فى السطور التاليه بكل وضوح وشفافية وهى ،
اولا:
حالة التخبط المتعلقه بتحرير سعر الصرف للدولار مقابل الجنيه ، فمن مارس 2022 إلى الآن تم تغيير سعر الصرف وانخفضت قيمة الجنيه لأول مره فى تاريخه إلى هذا المستوى المتدنى لدرجة ان نسبة الانخفاض وصلت إلى أكثر من 95% مع بداية الحرب الروسيه الاوكرانيه، ومتوقع أن يشهد مزيدا من التراجع فى ظل ازمه دولاريه خانقه لم تعتادها الصناعه ،ولم يألفها الإقتصاد مع الإشاره والتذكير بأن مصر تحتاج إلى نحو 100 مليار دولار لسد فجوتها الدولاريه خلال الخمس سنوات القادمه.

ونذكر فى هذا الصدد ان صناع مصر لم يكن يتوقعون او يحلمون فى احلامهم بأنه سيأتى عليهم اليوم الذى ترتعد فيه قلوبهم من نقص الدولار ،وربما تكون التصريحات التى كان يطلقها محافظ المركزى الأسبق طارق عامر على طريقة ” ابو لمعه” بأن سعر الدولار سيكون 4 جنيهات وكان ذلك عام 2015 قد ساهمت فى تكوين صوره ذهنيه عندهم انهم سيغرقون فى الدولارات !

حديد عز
حديد عز

ثانيا:
العوامل الجيوسياسيه المتغيره والتى دخلت عامها الثالث وتتعلق بالحرب الروسيه الأوكرانيه وقبلها وباء كورونا ولكن الثانيه كانت أكثر شده فى نتائجها السلبيه لأن روسيا واكرانيا من البلدان المنتجه والمصدره للصلب ،وكانت مصر من الدول الرئيسيه المستورده لخامات الصلب من اوكرانيا تحديدا ،ودخل مؤخرا على الخط تركيا بعد أن نزل بعد أن زلزلزت اراضيها وهدمت بيوتها وتحتاج إلى ما لا يقل مبدئيا عن 4 ملايين طن لإعادة بناء ما تسبب فيه الزلزال مع الإشاره إلى أن تركيا وهى الدوله التى تحتل مركزا بين العشر دول الكبار المنتجين للصلب تستورد حاليا منتجات حديد تسليح ولفائف وهناك شركات مصريه تصدر لها بعض الكميات وهما العز ، المراكبى، السويس .

تسببت الحرب الروسيه الأوكرانيه بشكل مباشر فى ارتفاع أسعار الشحن بنسبه لا تقل بأى حال من الأحوال عن 300% ، وانخفاض الكميات المتاحه من الخرده والبليت ، مع إرتفاع أسعار الخامات فى البورصات العالميه بشكل جنوني ،حيث وصل سعر الخرده مطلع مارس الحالى إلى 455 دولار بعد أن كان 418 دولار ، ووصل سعر البليت فى دوله مثل تركيا التى تنتج أكثر من 40 مليون طن سنويا إلى 690 دولار ” فوب” وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر حديد التسليح فى أسواقها إلى 770 دولار للطن بما يعادل نحو 28 الف جنيه فى مصر ، مع وجود زيادات فى خام الحديد حيث وصل سعره هو الآخر لأكثر من 130 دولار اوائل مارس الحالى وهو على العموم لا تعتمد عليه المصانع فى مصر بالدرجه الأولى مثل الخرده والبليت .

وكان لارتفاع أسعار الطاقه خاصة الغاز فى ظل الحرب الروسيه الأوكرانيه ما خلق مشاكل بين عددا من البلدان الاوربيه بسبب الإنتاج والتصدير وتسبب فى ارتفاع الأسعار سواء للغاز نفسه ، او وجود زيادات كبيره فى اسعار الخامات وكل هذه العوامل أثرت سلبا على التكاليف الثابته والمتغيره فى صناعة الصلب المصريه .

**
فوضى عارمة فى السوق المحلى

بكل وضوح هناك فوضى عارمه فى سوق الصلب فى مصر خاصة فيما يتعلق بسياسة التسعير ،وارتكاب الممارسات الإحتكاريه من جانب التجار والوكلاء والموزعين وهى بطبيعة الحال غير معلنه ، فأصبح سعر حديد التسليح قد يتم بشكل لحظى بعيدا عن اية قوانين حاكمه او رادعه..المصانع تعلن أسعارها بشكل واضح وفقا لتكاليف الإنتاج بكل مصنع ، ويقوم التجار والوكلاء والموزعين ببيع حديد التسليح تحديدا بأسعار فلكيه بارباح تصل إلى أكثر من 2500 جنيها فى الطن الواحد .

يقوم التجار بخلق حاله من الهلع لدى المستهلكين بأن أسعار الحديد سترتفع أكثر وأكثر مع ترديد بأن السوق لا يوجد فيه بضاعه مما يؤدى الى هرولة المستهلك وبعض شركات المقاولات لشراء الحديد بأى سعر ،ولا استبعد قيام بعض اصحاب المصانع خاصة مصانع الدرفله بمساعدتهم فى خلق هذه الحاله وهناك أثنين ممن يمتلكون أكثر من مصنع دأبوا فى الاونه الاخيره على رفع لافتة عدم وجود بضاعه لإحداث حاله من التكالب على شراء الحديد بسعر مرتفع .

والواقع حاليا مؤلم جدا ويتطلب موقف حازم وصارم من أجهزة الدوله بشأن قيام التجار والوكلاء بتخزيين حديد التسليح تمهيدا لبيعه عقب عيد الفطر المبارك بأسعار ضخمه لا تتناسب وأسعار المصانع المتكامله وشبه المتكامله وهى العز ،بشاى ،السويس ،المراكبى ،حديد المصريين مع مراجعة المصانع التى لديها مقدره على الإنتاج ولكنها ترفض البيع وتتعلل بعدم وجود بضاعه او خامات ،فى حين انها تنتظر مزيدا من الوقت حتى ترتفع أسعار الحديد بشكل أكبر وكل هذه الممارسات غير الشريفه والضاره بالسوق وجميعنا يرى حالة الإنكماش والإنبطاح فى سوق الصلب حاليا من جراء هذه الممارسات الإحتكاريه غير المعلنه.

لا يعقل بأى حال من الأحوال فى دولة القانون أن يكون أعلى سعر لطن حديد التسليح بالمصانع هو 29 ألفا و500 جنيها فى حين يقوم التاجر والموزع ببيعه بسعر 34 و35 الف جنيه ؟ ومتوقع أن تكون الأسعار عقب اجازات عيد الفطر المبارك فلكيه لدى التجار إذا إستمرت الدوله واجهزتها الرقابيه فى ترك الحبل على الغارب لحفنه من التجار والوكلاء والموزعين يعبثون ويمرحون بأسعار حديد التسليح كيفما شاءوا وهو الأمر الذى يؤدى الى تشويه سمعة الصناعه المصريه والصناع المصريين خاصة فى المصانع الكبيره المتكامله وشبه المتكامله وهى ،عز ،السويس ،بشاى ،المراكبى حديد المصريين وبعض مصانع الدرفله صاحبة التاريخ وجميعهم يتكبدون تكاليف باهظه ثابته ومتغيره ويفتحون بيوت ملايين الأسر فى ربوع مصر .

خلاصة القول أن صناعة الصلب المصريه فى حاجه إلى مساندة كافة أجهزة الدوله عن بكرة ابيها وتوفير النقد الاجنبى لها ،والافراج عن الخامات الموجوده بالجمارك فورا ، وصرف أموال الشركات المصدره من صندوق مساندة الصادرات التابع لوزارة الصناعه والتجاره ، وتخفيض سعر الفائده، او منحهم فرصا اطول للسداد ،ونذكر مرة أخرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين بأن صناعة الصلب المصريه واحده من الصناعات العملاقه التى تفخر بها مصر حيث أصبحنا أكبر منتج فى المنطقه العربيه وشمال أفريقيا متفوقين على سابك السعوديه والراجحى ،و حديد الإمارات ،وقطر استيل ،ودول المغرب وليبيا والكويت والاردن والبحرين ،وتصدر شركات مصريه مثل العز ،والسويس والمراكبى إلى دول كبيره اقتصاديا فى أوروبا .